|
اهداءات مضايف بلدة الغبره |
المجلس العام للمواضيع العامة التي ليس لها تصنيف في المنتدى |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
30th April 2010 | #1 |
|
يوسف بن تاشفين -- باني مدينة مراكش
بَانِي مُرَّاكِش يُوسُفٌ بنُ تَاشِفِين ***** هذا الحديث عن عبقري من عباقرة التاريخ الإسلامي ، وعن موقعة من أعظم المواقع الحربيّة في تاريخ الشرق والغرب، ولا بدَّ لي قبل الكلام على هذا الرجل العبقري ، وعلى هذه الوقعة الفاصلة من شيء من التمهيد التاريخي . أعود بكم إلى القرن الخامس ، وأذهب بكم إلى صحارى المغرب الأقصى . وقد كانت هذه الصحارى يومئذ لقبائل ((زناته)) فزاحمتها من الجنوب قبائل جديدة ، أقوام بعدد الحصى والرمال يُعرفون بالملثّمين ، لأنهم يتلثّمون أبداً في الحرب وفي السلم ، ويذكرون في تعليله أنّ العدو أغار عليهم مرّة ، وكان الرّجال بعيدين عن الحيّ ، فلبس نساؤهم لباس الرجال ، وتلثّمن وركبن الخيل ، فحسبهم العدو رجالاً ؛ وخاف وهرب . فلزموا اللّثام من ذلك اليوم تبرّكاً به ، وكانوا جنّ الحروب ، ومَرَدة المعارك ، وكانوا عجائب في الشجاعة والإقدام . وكانوا في الأصل على جهالة مطبقة ، فأحبّ زعيمهم أن يعلّمهم الإسلام وأن ينوّر به قلوبهم ، فاختار فقيهاً من القيروان اسمه الشيخ عبد الله الجزولي ، وكان هذا الشيخ وحده سبب هداية هذه الخلائق ، ونقلها من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان ، ومن الصحارى الإفريقيّة الجنوبيّة ، إلى ملك المغرب كلّه والأندلس ، وهو الذي جعل كل واحد من الملثّمين داعية إلى الله عزّ وجلّ ، ومجاهداً في سبيله كلّ طاغية يقف في وجه هذه الدعوى ، ويمنعها أن تسير ، ولم يكن سبب هذا النجاح أنّه كان أعلم الناس علماً ، وأنّه كان أفصحهم فصاحة ، فلقد كان في الناس من هو أعلم منه وأبلغ ، ولكن سببه الأوحد أنّه كان مؤمناً حقّاً ، وكان متحمّساً راغباً في الإصلاح ، وأنّه لم يكن يطلب الجاه ولا المال ولا الضياع ولا اللذّات ... بل يطلب الله والدار الآخرة . وكانوا يعرفون بالملثّمين فسمّاهم المرابطين ، وكان هذا الفقيه هو الحاكم ، وهو الذي يصرِّف الأمر ، ولكنّه مع ذلك لم يدَّع الإمارة ، بل تركها ليحيى اللّمتوني ، ولمّا مات ولّى مكانه أخاه أبا بكر اللّمتوني ، وتوفي هذا الفقيه بعد ما أسّس الأسس ، وأقام الدعائم لدولة المرابطين ، التي ظلّلت رايتها فيما بعد المغرب كلّه ، من تونس إلى البحر الأطلنطي والأندلس ، وما خصَّ نفسه يوماً بطيب مأكل أو لين ملبس ، ولم يكن له أرب في النساء ... ومن هنا ترون أنَّ عالماً واحداً يدعو إلى الله بإخلاص ، يُحيي به الله أمّة كاملة . وانفرد أبو بكر اللّمتوني بعد موت الفقيه الجزولي بالأمر ، فجاء بشاب من بني عمّه ؛ اسمه يوسف بن تاشفين ، فولاه قيادة شطر من الجيش أبقاه في صحراء المغرب ، ليتمَّ العمل الذي بدأ به الشيخ الجزولي ، وعاد هو إلى الجنوب ، إلى بلاد قومه من (( لمتونة )) ، لأنّ امرأة من قومه ظلمت فنادت : لقد ضيّعنا أبو بكر ... فقال لها : لبيك ، وأسرع إلى بلاده يقيم الحق والعدل فيها ويصلح من أمرها ، ويجاهد الكفّار من حولها ... وبقي ابن تاشفين في الشمال . ولا نعرف من أين جاء ابن تاشفين ، ولا ندري كيف نشأ ، ولا يحدّثنا التاريخ عن ذلك شيئاً ، ولا نعرفه إلا يوم ولِّيَ هذه القيادة ... ولِّيَ القيادة ، ولم يكن للمرابطين إلا الصحراء يعيشون فيها بدواً رحّلاً ، ويسيطرون على قبائلها ، فسار بهم ابن تاشفين إلى المدن ؛ إلى(( فاس )) حاضرة المغرب وكبرى مدنه ، فافتتحها وأقام عليها أميراً يحكم بكتاب الله وسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام . ثمّ توجّه إلى(( طنجة )) في طريق ما سلكها قبله جيش ، فافتتحها وأقام عليها أميراً . وما زال يفتح المدن ، مدينة بعد مدينة ، حتّى فتح مدن المغرب الأقصى كلّها ، ثمّ ملك الجزائر ، ثمّ توجّه إلى تونس فغلب عليها . وكان في كل بلدة أمير ، يظلم الناس ، وحكومة تعيث في الأرض فساداً ، فجعلها كلّها حكومة واحدة . من تونس إلى البحر ، البحر الذي بلغه من قبل الفاتح الإسلامي عقبة بن نافع فخاضه بفرسه وقال : اللّهمَّ لولا هذا البحر لمضيت مجاهداً في سبيلك ، حتّى أفتح الأرض كلّها أو أموت . وعاد يوسف بن تاشفين فاختار موضعاً نزهاً ، حوله جبال تطيف به من بعيد ، اسمه (( مَرَّاكش )) ومعناها بلغة البربر ( مرَّ مُسرِعاً ) لأنّه كان مأوى للّصوص وقطّاع الطّرق فبنى فيه مدينة مرّاكش ؛ سنة 465 هجرية، وعاد أبو بكر فاستقبله ابن تاشفين وأظهر له الخضوع ، ولكنّه لمّا رأى ما بلغه من القوَّة والأيد ، ترك الأمر له وعاد من حيث جاء ، يجاهد في الصّحارى الجنوبيّة حتّى مات شهيداّ ، وانفرد ابن تاشفين بالأمر . وكان يوسف بن تاشفين هذا نحيف الجسم ، أسمر اللّون ، خفيف اللّحية ، دقيق الصّوت . يحسبه من يراه ويسمعه رجلاً ضعيفاً مسكيناً ، فإذا خَبَرَه وجده الأسد قوَّةً ومضاءً ، والصقر حدّة بصر ؛ وسرعة انقضاض ، وكان محارباً ليس له نظير ، وقائداً من الطبقة الأولى من القوّاد ، وكان خيّراً عادلاً ، يميل إلى أهل العلم والدين ، ويكرمهم ويجعلهم أصحابه وبطانته ، ويحكّمهم في نفسه وفي بلاده ، ويتبع حكمهم ما داموا يتكلّمون بلسان الشّرع ؛ ويحكمون بحكم الله عزّ وجلّ . وكان يحب الصّفح ، ويميل إلى العفو ؛ مهما عظم الذّنب وجلَّت الخطيئة ، وكان زاهداً متقشّفاً لم يستأثر بمطعم ولا مشرب ، ولم يرتفع في عيشه عن عيش أفقر رعاياه ، فعاش حياته كلّها لم يعرف القصور الفخمة ، ولا الموائد الحافلة ، ولا حياة السرف والترف . لم يأكل إلا خبز الشعير ولحم الإبل ، ولم يشرب إلا لبن النياق ، وكان قويّ الجسم مشدوداً شدّ الوتر ، وبقي على ذلك حتّى قارب المئة . وكانت الألقاب فاشية في الأندلس ، فكل من حكم فيها بلدة أو سيطر على ناحية من الأرض ، اتّخذ أبهة الملك ، وألقاب السّيادة ، وهو قد أسس دولة من أكبر دول الإسلام وبنى مدينة من أجلّ المدن ، ورضي أن يكون تابعاً للإمامة العظمى ، لأنه كان يرى رأي الإسلام ، وهو أنّه لا يجوز إلا أن يكون المسلمون دولة واحدة ، وكتب إلى الخليفة العبّاسي يستمدّ منه الإمارة ، فأرسل إليه بمرسوم الولاية على المغرب ، وسمّى نفسه (( أمير المسلمين )) ، وأعلن أنّه تابع للخليفة في بغداد . في هذا الوقت الذي انتقل فيه المغرب الإسلامي ، من الفرقة والانقسام والضعف ، إلى الوحدة والقوّة ؛ وزالت على يد الفقيه الجزولي والقائد يوسف بن تاشفين ، هاتيك الدويلات الصغار ، وقامت الدولة الكبيرة ، كانت الحال في الأندلس على العكس ، فقد زالت دولة الناصر ، ودولة المنصور من بعده ، وقامت هذه الحكومات الصغيرة المتنافرة المتناحرة ؛ التي لا يفتأ كبيرها يغير على صغيرها ، وكل جارة منها تعتدي على جاراتها . وبلغ الأمر إلى ما هو شرّ من ذلكم ، إلى أن صارت كل دولة منها تستعين على أختها بالإسبان ؛ بالعدو المشترك ، الذي يتربّص بالجميع ويكيد للجميع ، ولم يسلم من هذا الخزي أحد منهم ! وأخذ الإسبان يستفيدون من هذا الخلاف ، ويأخذون من أطراف البلاد الإسلامية ، وكلّما فتحوا طريقاً للعداوة بين دولتين من هذه الدول الهزيلة ، دخلوا منه يوغلون في بلاد الإسلام ، ويتقدّمون أبداً إلى الأمام . وجعلت المدن تساقط في أيديهم واحدة بعد واحدة ، فلا ينتبه المسلمون ، حتّى سقطت طليطلة ، وهي قلعة الإسلام ، فكانت سقطة لها دويّ رجّ الأندلس ، فأفاق هؤلاء الأمراء وأيقنوا أنّ الهوّة قد تفتّحت تحت أقدامهم ، وأنّهم جميعاً ساقطون فيها إذا لم يتّحدوا ويتجمّعوا ، وكانوا جميعاً يدفعون الجزية للأذفونش ( الفونسو ملك قشتالة ) حتّى كبيرهم المعتمد بن عباد الملك الشاعر ، فلمًا أخذ طليطلة لم يعد يرضى بالجزية ، وعزم على أخذ البلاد . فتوجّهوا جميعاً تلقاء المغرب ، ورأوا أنّه لا نجاة لهم إلا إذا استنجدوا بأمير المسلمين ، ابن تاشفين . وكان القائم بهذا ابن عباد ، فخوّفوه من طمع ابن تاشفين بالأندلس واستيلائه عليها ، فقال كلمته المشهورة: أنا أعرف هذا ، ولكنّي أفضّل أن أرعى جمال أمير المسلمين ، عن أن أرعى خنازير ملك الإسبان ! وكان مرجع أمراء الأندلس لابن عباد ، فلمّا رأوا هذا أخذوا برأيه ، وكتبوا كتاباً واحداً بلسانهم يستقدمون به ابن تاشفين ، ولبّى الطلب ، وحشد جيشاً ضخماً وجاز به البحر إلى الأندلس ، وكان الأذفونش في حرب ابن هود أمير سرقسطة ، فلمّا بلغه عبور ابن تاشفين ، ترك حربه وجمع أمراء النصارى في جيش واحد ، وتوجّه ليلقى ابن تاشفين الذي انضمَّ إليه أمراء المسلمين جميعاً ، ومشى الجيشان إلى المعركة الفاصلة ؛ التي اجتمعت فيها جيوش النصرانيّة كلّه في جانب، وجيوش الإسلام في جانب ... ولم يكن الفريقان قد اجتمعا من قبل أبداً في جيش موحّد . وكان اللّقاء في سهل أفيح بالقرب من مدينة بَطَلْيُوس سمّي (( سهل الزلاقة )) ، وكانت الوقعة يوم الجمعة في الخامس عشر من رجب سنة تسع وسبعين وأربعمئة (479هجرية) . اصطفّ الفريقان ، حتّى لقد نقل ابن خلّكان أنّه لم يكن في ذلك السهل الواسع موضع قدم لم يكن فيه جندي مستعد ، ولا تزال الأمداد تتوالى من الجانبين ، حتّى لم يبق محارب من هؤلاء وأولئك إلا حضر المعركة . وأخطأ ابن عباد خطيئة كانت تودي بجيوش المسلمين كلّها ، خطيئة دفعته إليها شجاعته ؛ ونسي أنّ الرأي قبل شجاعة الشجعان ، ذلك أنّه باشر القتال قبل أن يصل يوسف بن تاشفين إلى الميدان واضطرب أمر الجند الإسلامي ، وأخذ الناس على غير تعبئة وغير استعداد ، فصار أمرهم فوضى ، ودهمهم فرسان النّصارى ، فحطّموا كل مقاومة إسلامية ، وسحقوا كل ما كان أمامهم ؛ وسقط ابن عباد صريعاً ؛ قد أصابه جرح غائر ، وفرَّ رؤساء الأندلس يائسين ، وظنَّ الأذفونش أنّ ابن تاشفين مع المنهزمين ؛ فلمّا رأى ذلك ابن تاشفين ، هجم بنفسه ؛ يتلقّى بصدره صدمة فرسان الإسبان ؛ يحف به أبطال المغرب ، وضرب الطبول الضخمة فارتجّت الأرض ، وطويت تحت أقدامهم ، ووقف الهجوم الإسباني ، ثمّ شقّ جيش الإسبان واخترقه حتّى احتلّ قيادة الأذفونش . فلمّا صار فيها عاود الإسبان الهجوم أشد وأقوى من الهجوم الأوّل ، فانخرقت جبهة المسلمين ، ولكنّهم عاودوا الهجوم واحتلّوا القيادة مرّة ثانية ، فهجم الإسبان ثالث مرّة . هجوم المستميت اليائس ، فترجّل أمير المسلمين ابن تاشفين وهو يومئذ شيخ في نحو الثمانين ، وترجّل معه نحو أربعة آلاف من حَشَمه السودان ، ووقفوا كأنّهم جدران الصخر ؛ وبأيديهم الأتراس والسيوف ، وقفز واحد منهم على فرس الأذفونش ؛ فقبض على عنقه بيد وطعنه بالثانية بخنجره في فخذه ، فاخترق الخنجر الدرع والعظم ودخل في سرج الفرس ، وفرَّ وفخذه معلَّقة بالسرج ، ووقعت الهزيمة الكبرى في جيش الإسبان وكان النصر . وكانت معركة من أعظم المعارك الفاصلة في تاريخ البشر ؛ فقد اجتمعت فيها لأوّل مرّة قوى الإسلام كلّها في الأندلس والمغرب ؛ في وجه قوى النصرانيّة كلّها في إسبانيا ، وكانت معركة شديدة أظهر فيها الفريقان من البراعة والشجاعة ، ما يجري من غرابته مجرى الأمثال ، وظهرت فيها مزايا التّربية الصحراويّة ، فانهزم أبطال الأندلس ؛ حتّى المعتمد ابن عباد فارس العصر ، ولم يثبت إلا بنو الصحراء ؛ الذين لم يفسدهم ترف الحضارة ، ولا نعيم القصور . وبدَّلت مسير التاريخ ، فقضت على هاتيكم الدويلات الهزيلة المتنافرة المتناحرة التي كانت تدفع الجزية للإسبان عن يد وهي صاغرة ، وتستعين بهم على حرب أخواتها في اللّسان والدّين ، وعادت للأندلس وحدتها تحت الرّاية الإسلامية الكبرى ، وكانت على وشك السّقوط فأخّرت هذه المعركة سقوطها أربعمئة سنة ، كل ذلك بعمل هذا الرجل النحيف الضامر الخافت الصّوت ، الذي كان يومئذ شيخاً في نحو الثمانين من عمره . هذا الشّيخ البدويّ البربريّ الذي لم ينشأ في المدن الكبار ، ولم يرها في صدر حياته ، ولم يتعلّم في المدارس ولم يدخلها ، ولم يكن ينطق بالعربيّة ولا يكاد يفهمها ، ولم يعرف في عمره لذّة النعيم ومتع العيش ؛ ولكنّه مع ذلك أقام دولة من العدم ، دولة تقيم حكم الله ؛ وتتّبع شريعة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم . دولة امتدّت من تونس إلى الأطلنطي إلى آخر الأندلس ، ولم يدّع الإستقلال فيها ، ولا اتّخذ ألقاب السلطان ، ولكنه قنع بأن يكون أميراً تابعاً اسماً للخليفة العبّاسيّ في بغداد . يا سادتي ويا سيّداتي : إنَّ تاريخكم فيّاض بالبطولات والمفاخر والمكارم ، ولكنّكم لا تكادون تعرفون تاريخكم . رحم الله الرجل الصالح يوسف بن تاشفين وجزاه عن أمّة الإسلام خير ما يُجزى به الصالحين. المصدر كتاب رجال من التاريخ للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تقبلوا تحياتي -- صاحب المعالي -- المصدر: منتديات مضايف بلدة الغبره d,st fk jhatdk -- fhkd l]dkm lvh;a |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الواحد ينشف ريجه لين يوصل الى الجدول | حميد الجنيد | مجلس المواضيع الاسلاميه | 4 | 10th January 2011 10:14 PM |
جولة في مدينة الرياض | الزير سالم | مجلس الصور | 5 | 29th December 2010 10:46 AM |
يوسف العظمة | ابوفهد | مجلس شخصيات وتاريخ | 3 | 20th August 2010 07:38 PM |
مناظرة بين الحجاج بن يوسف وفتى من بنو هاشم | هلالي موت | مجلس القصص والروايات | 4 | 22nd June 2010 09:47 PM |
قصة سيدنا يوسف علي السلام | ابومغير | مجلس القصص والروايات | 4 | 31st March 2010 01:31 AM |