|
اهداءات مضايف بلدة الغبره |
المجلس المفتوح يختص بالمواضيع التي ليس لها قسم معين |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
25th December 2010 | #1 |
|
قصر الحمراء أيام العرب المجيدة
يعتبر قصر الحمراء في غرناطة(1) رائعة من روائع العمارة العربية الإسلامية، نظراً لما تتجلى فيه من قيم جمالية وإبداعية غاية في الروعة والتقنية. إن هذه المعالم الحضارية في التراث العربي جعلت زوار قصور الحمراء في الوقت الحاضر يمكثون في غرناطة طويلاً ولا سيما المفكرين والباحثين والكتاب والفنانين، وهم يسلطون الأضواء على هذه الأوابد الشاخصة عبر حقب التاريخ. وأثناء زيارتي لقصر الحمراء في غرناطة عام 1985م، وقفت أياماً أتأمل هذه الإنجازات الحضارية التي أرسى العرب دعائمها، وأستوحي من كتابات الحمراء ونقوشها وأبراجها وقاعاتها وسوحها وحدائقها وأسوارها مؤشرات التواصل وآفاق السموق العربي. الحمراء.. لمحة تاريخية يتفق معظم مؤرخي العمارة العربية الإسلامية الذين تناولوا دراسة قصور الحمراء بشكل مستفيض على أن اسم (الحمراء) عرف به القصر في نهاية القرن الثالث الهجري المقابل للقرن التاسع الميلادي، وكان يطلق على حصن صغير لجأ إليه العرب الهاربون أثناء الفتن وأعمال الشغب التي ظهرت خلال حكم الأمير عبد الله الأموي، وكان هذا الحصن قد شيد عند طرف هضبة السبيكة الغربي، وعلى أيام بني الأحمر (بنو نصر) امتدت مباني الحمراء فوق الهضبة كلها. وإن هذا الحصن الصغير الذي شيد في نهاية القرن الثالث الهجري الموافق للتاسع الميلادي، يغلب أنه هجر في نهاية أيام الخلافة الأموية في الأندلس، وفي أوائل النصف الأول للقرن الخامس الهجري -الحادي عشر الميلادي- أعيد بناؤه واتسعت أرجاؤه في أيام الوزير صموئيل بن نجرلو (443هـ- 1052م) (447هـ -1056م)، ثم نهض الأمير الزيري عبد الله بتحسينه بعد أن تأثر بما شاهده في قصر بليلوس المسيحي الذي استولى عليه. ورد ذكر هذا الحصن مرات عديدة في أثناء النزاعات المحتدمة بين الإسبان والمرابطين والموحدين، وقد كانت مساحته صغيرة في تلك الحقبة بدليل أن فرق ابن حمشق كانت تعسكر خارج أسواره، وتدل بعض مخلفات جدرانه وأبراجه المجاورة لمبنى الحمراء -الجديد- على ضعف بنيانه وبساطه المواد التي شيد بها. وعندما دخل محمد بن الأحمر (من بني نصر) غرناطة في رمضان 635هـ -1238م) أقام في قصبة بني زيري التي كانت في مدينة غرناطة نفسها لكنه لم يدخر وسعاً في إنشاء قصر الحمراء بفترة زمنية قياسية في أسرع وقت مستطاع، وجعله مقاماً له ومركزاً لحاضرة مملكته الجديدة(2). لقد بدأ العمل في إنشاء قصر الحمراء بعد أشهر قلائل من دخوله غرناطة، وكان المبنى الجديد يختلف اختلافاً بيناً عن الحصن القديم في وسائله وسعته وجوانبه وملحقاته، فالحمراء أكثر من حصن وقصر معاً.. إنها مدينة كاملة ومركز وقاعدة الدولة العربية الإسلامية (دولة بني نصر) كما كانت مدينة الزهراء في قرطبة، والمدينة الزاهرة وقصبة الموحدين في مراكش. وفي مقابل الحي التجاري لمدينة غرناطة تقوم قصبة أخرى رتّب وعدّل بناؤها واضيفت إليه مبان جديدة أخرى لتغطي وتلبي حاجات بني نصر وتستوعبهم بعد تأسيس وإرساء دعائم ملكهم، وقد احتوت إضافة إلى القصور الملكية على المصالح والمؤسسات الحكومية والإدارية ودار ضرب السكة -المسكوكات النقدية- وثكنات الحرس ودواوين أخرى ومجالس كبار الموظفين وكل ما يحتاج إليه الأتباع والحجاب والمراسلين وما يحتاج إليه العامة من المصانع والحوانيت والحمامات والمسجد الكبير. وقام محمد الأول ومحمد الثاني بتشييد الأسوار الخارجية، وفي فترة حكم يوسف الأول (833-855هـ) (1333-1354م) شيدت أبراج (قمارش) و(المطرقة) و(القنديل)، والأبواب الثلاثة الكبرى: باب الشريعة -باب الطباق الثلاثة- باب السلاح، أما برج المتين Peinador فقد أتمه السلطان محمد الخامس. لقد أخذت الأسوار المحيطة بأعلى هضبة الحمراء شكلها النهائي في منتصف القرن الثامن الهجري -الرابع عشر الميلادي، وقد شيدت وسائل للدفاع عن قصور الحمراء حيث بنيت قواعد المدافع خلال القرن الخامس عشر، وقد شيدت تلك المصاطب -القواعد- عند أسفل البوابات الثلاث الكبرى. إن ثلاثة من أبواب الحمراء تؤدي إلى الخارج وهي أبواب: الشريعة، والطباق الثلاثة، والقمم المسننة، أما باب السلاح فهو وحده الذي يصل الحمراء بمدينة غرناطة، إن لأبواب الحمراء نسباً معمارية ضخمة من كتل المباني الحجرية، وتتضمن الدهاليز المقباة ذوات الانثناءات والتعرجات والالتواءات الكثيرة والتي تتقاطع في بعض الأحيان، وتعتبر من أرقى نماذج الأبواب في العمارة العسكرية، وإن لباب الشريعة -وهو خال من الأبراج- عقد جميل ودعامة عالية، أما الأبواب الأخرى فلا تختلف كثيراً عن معظم الأبواب الكبرى التي شيدها الموحدون والمرينيون في مراكش ولا سيما عندما يكون لها برجان. والأسوار الخارجية العالية لها ممشى للحرس له دورة تعلوها الشرفات، ولا يخفى أن توزيع الأبراج في الأسوار غير متساوٍ فهي مقامة عند مسافات مختلفة وتتوسط المسافة بين برج وآخر قرابة خمسين متراً، ومثلما استعرضنا آنفاً أن لبعض الأبراج طباقاً عالية وهذه تشتمل على قاعات كبيرة أهمها قاعة العرش أو قاعة السفراء (قمارش) التي تشغل الطابق العلوي في برج مربع كبير.. ولهذه القاعة ومثيلاتها نوافذ كبيرة تطل على غرناطة وعلى البرج، وعند هذا النشز الرائع تنتهي جبال سيرانيفادا ذات المناظر الخلابة التي طالما تغنى بها شعراء غرناطة من أمثال ابن الخطيب وابن زمرك وغيرهما.. إن هذا الموقع الخلاب الذي يجمع بين الجبال والوديان والسهول والأنهار والغابات تتوسطه الهضبة التي ارتفعت عليها مباني الحمراء، ويبلغ طول الهضبة 470م وعرضها حوالي 220م، وقد بدأ العمل في تشييد قنطرة كبيرة لنقل المياه من الجبال المجاورة إلى الهضبة حيث كانت المياه متوفرة في كل موضع في المدينة وفي قصور الحمراء. إن قصور الحمراء لم ينته العمل منها في أيام محمد بن الأحمر، بل انتهت على أيام ابنه محمد الثاني (671-701هـ) (1273-1302م)، ومنذ تلك الحقبة لم يغير ملوك بني الأحمر قاعدتهم الفخمة والمنيعة حتى غادروها نهائياً في عام 1492م على أثر سقوط غرناطة بيد القوط، والحمراء قبل كل شيء تعتبر حصناً استراتيجياً منيعاً حيث إن هذا الحصن ذا الأسوار والأبراج العالية الذي يحيط بالحمراء يعتبر من أقوى وأنضج ما عرف في فن العمارة الحربية.. إنه وحده يستحق العناية والدراسة، أما الفناء الكبير الذي تضمه الساحة في الداخل والذي ينحدر على كلا الجانبين من الهضبة، كان منقسماً إلى ثلاثة أجزاء: فإلى الغرب يقع مجمع من التحصينات المترابطة المتماسكة أي -القصبة- وفي الجزء الأعلى تقوم مباني قصور الحمراء وعلى السفوح المنحدرة للهضبة والتي تقع في الناحية الشرقية تقع مدينة غرناطة. الحصن والأسوار والأبراج: عند طرف التل المواجه (فيغا) تقع القصبة وهي حصن منيع مستقل تماماً عن بقية أرجاء الحمراء، وقد اشتملت على مساحة كبيرة كأرض لتدريب الجند للاستعراضات العسكرية، وقد أقيمت فيها بعض الدور الصغيرة بعد ذلك، ويحيط بهذه الساحة سور منيع مثلث الشكل يشتمل على موانع وستائر من الجدران المرتفعة تكتنفها الأبراج حيث تدعمها ثلاثة أبراج شامخة ومقباة وإلى الشرق سور خارجي آخر ولهذه القصبة بوابتها الكبرى المؤدية إلى الخارج، أما الأسوار المحيطة بقصور الحمراء كلها والتي تكملها القصبة طبعاً في الناحية الغربية فهي منيعة ومشادة بالحجارة الصلبة وتتألف من جدار واحد فقط، وإن هذه الأسوار شاهقة وتكتنفها الأبراج التي يبلغ عددها ثلاثة وعشرين برجاً كبيراً يكون الطابق العلوي لمعظمها محتوياً على الردهات، وندرج فيما يلي أهم أبراج القصبة وأبوابها: باب الحراسة- باب السلاح- باب التكريم- البرج المهدوم- برج الدراق- باب الشريعة- باب النبيذ- باب المطرقة- بهو السفراء (قمارش)- برج السفراء- برج متزين الملكة- برج النساء- برج البرطل- برج القمم المسننة- برج الحديد- برج القنديل- برج الأسيرة- برج الأميرات- برج الماء- برج الطباق السبع- برج الطليعة- برج الرؤوس. وحول برج الأسيرة الذي تطلق عليه أيضاً تسمية: (برج أبي الحجاج)، نرى بأن هذا البرج احتفظ من الخارج بمظهره الأصلي وله باب فخم مرصع نقش على عتبته هذه الكتابة: "الباسل أبي عبد الله الغني بالله، ابن مولانا أمير المسلمين السلطان الجليل.. الملك الأصيل.. ذو المحامد والمناقب، والعطايا الجزيلة والمواهب، حامي الديار، القامع لأعداء الله الكفار، أبي الحجاج ابن مولانا السلطان المعظم"، وفي إحدى غرف البرج نقرأ الآية الكريمة: بسم الله الرحمن الرحيم "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً"، وفي البرج الذي يليه من ناحية الشرق وهو برج الأميرات تتجلى نقوش بالدعاء للسلطان أبي عبد الله المستغني بالله وهو على الأغلب السلطان محمد الغني بالله. ويعتبر باب الشريعة المدخل الرئيس لقصر الحمراء اليوم وقد نقش على قوسه سطران كتب فيهما بخط أندلسي متشابك العبارات التالية: "أمر ببناء هذا الباب المسمى باب الشريعة أسعد الله به شريعة الإسلام كما جعله فخراً باقياً على الأيام، مولانا أمير المسلمين السلطان المجاهد العادل أبو الحجاج يوسف ابن مولانا السلطان المجاهد المقدس أبي الوليد بن نصر كافي الله في الإسلام صنائعه الزاكية وتقبل أعماله الجهادية.. فتيسر ذلك في شهر المولد العظيم من عام تسعة وأربعين وسبعمائة.. جعله الله عزة وافية وكتبة في الأعمال الصالحة الباقية". ويقابل هذا التاريخ 749هـ سنة 1348م، والسلطان يوسف أبو الحجاج هو أعظم سلاطين مملكة غرناطة، وقد حكم في الفترة (1333-1354م)، وقد شيد أجمل وأفخم أجنحة الحمراء، ووراء باب الشريعة مجاز معقود يوجد فيه محراب من الناحية اليمنى وفي نهايته مصلى وقد صنعت به لوحة رخامية أشير فيها إلى حصار غرناطة وتسليمها لفرديناند وإيزابيلا عام 1492م، ثم نصل إلى باب الخمر وهو اسم استحدثه الإسبان فيما بعد، ويتوج هذا الباب نص تاريخي يتضمن اسم السلطان الغني بالله ابن السلطان أبي الحجاج الذي شيد باب الشريعة، وعند خروجنا من باب الخمر نجد أنفسنا في ساحة الجب وعلى الجهة اليمنى قصر شارلكان (شارل الخامس) الذي بني مؤخراً بعد سقوط غرناطة حيث هدم جانب من قصور الحمراء من أجل إقامة هذا البناء الدخيل. إن معظم مباني الحمراء القائمة اليوم يرجع الفضل في إنشائها إلى السلطان أبي الحجاج يوسف بن أبي الوليد اسماعيل سابع ملوك العرب من بني نصر، ويعود الفضل إليه أيضاً في تشييد باب الشريعة المؤدي إلى الشارع ومنه نعبر إلى ساحة الجب (صهريج المياه) وباب الشريعة بوابة يتمثل فيها النمط المعماري العربي ويرتفع قرابة خمسة عشر متراً يؤدي إلى وسط مباني الحمراء إلى الميدان الواقع بين القسم العسكري من مبانيها -أي الأبراج- والقسم المدني والتي تتضمن الدور والحدائق ودوائر الدولة ومؤسساتها. يدخل الزائرون اليوم إلى قصور الحمراء عن طريق ممر يشبه المنزل يؤدي إلى دهليز قصير ومعه نصل إلى قاعة المشور، وإن هذا الجزء- المدخل لم يكن أهل غرناطة يدخلون منه ذلك لأن القاعة التي تعرف الآن بقاعة المشور كانت وسط سلسلة من القاعات والأبهاء، وقد تهدم أغلبها فكان سكان غرناطة يدخلون من باب آخر في نهاية ساحة الجب. مجموعة قصور الحمراء لقد شيدت مباني الحمراء الأولى في القرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي وقد خربت تلك القصور لتقوم محلها قصور الحمراء التي بناها بنو نصر بعدها وهي الخالدة إلى يومنا هذا والتي نتحدث عنها فقد كانت هناك مجموعة من مباني الحمراء تقع في الناحية الغربية ودمرت منذ زمن، وقد كشفت التنقيبات الآثارية منذ سنوات عن أسسها ويبدو منها فناء مربع تطل عليه عدة قاعات صغيرة إلى جانبها مسجد صغير، وتتبع المسجد ساحة كبيرة عرفت بساحة المطرقة تحده شمالاً سقيفة تؤدي إلى ردهة كبيرة تقع في أعلى أحد الأبراج المتصلة بالسور المحيطة بالحمراء، تلك هي مجموعة المباني المندثرة أما القصور الحالية فتتألف من مجموعتين أخريين شيدت كل مجموعة حول مساحتين على محاور عمودية كبرى. إن المجموعة الأولى تتجسد في دور قمارش (السفراء) يسبقها بهو المشوار وساحة صغيرة، وقد قام السلطان يوسف الأول بتشييد هذا البناء، أما المجموعة الثانية فهي قصر السباع الذي تتوسطه ساحة السباع وقد شيده السلطان محمد الخامس، وهناك بعض الحمامات القديمة ومسجد يصل بين المجموعتين المذكورتين آنفاً واللتين شيدتا في القرن الرابع عشر، أما المشور فقد تم إنشاؤه في عام 1365م كما تشهد أبيات شاعر الحمراء الوزير الفنان ابن زمرك الغرناطي، وهو المكان الذي خصص في القصر للموظفين الذين يعاونون الملك في إدارة شؤون الدولة، لقد تغيرت سمات (المشور) الرئيسية ولم يبق منها سوى بعض الزخارف الجصية وفسيفساؤه الرخامية، وفي شعار بني الأحمر بعض ما تبقى من النقوش العربية، وأهم ما تبقى من المشور قاعة كبرى وفيها نقش باسم السلطان محمد الغني بالله يتضمن أبيات الشعر التالية: يا منصب الملك الرفيع *** ومحرز الشكل البديع فتحت للفتح المبين *** وحسن صنع أو صنيع أثر الإمام محمد *** ظل الاله على الجميع ويوجد خلف قاعة المشور مصلى يحتفظ إلى اليوم بمحرابه الرائع تتصدره العبارة التالية: "أقبل على صلاتك ولا تكن من الغافلين"، وفي المشور توجد القاعة المذهبة نسبة إلى الزخارف المذهبة المزدانة بها وهناك ساحة إلى جنوبها تقع سقيفة لها بابان، الأيسر يؤدي إلى قاعة صغيرة تقود إلى ساحة الرياحين (ساحة السفراء)، والباب الأيمن يؤدي إلى المدخل الأساسي الأول للقصر وفوق الباب ذي الدفتين طراز من الخشب نقشت عليه هذه الأبيات الشعرية: منصبي تاج وبابي مفرق *** يحسب المغرب فيّ المشرق والغني بالله أوصاني أن *** اشرع الفتح لفتح يطرق فأنا منتظر طلعته *** مثل ما يبدي الصباح الأفق أحسن الله له الصنع كما *** حسن الخلق له والخلق إن القصائد الشعرية لابن زمرك الذي وصف فيها قاعة المشور تعتبر الوصف الوحيد الباقي لدينا في هذه القاعة كما كانت عندما فرغت من إنشائها يد الفنان العربي(3): به البهو قد حاز البهاء وقد غدا *** به القصر آفاق السماء مباهيا وكم حلة قد جللته بحليها *** من الوشي تنسي السابري اليمانيا وكم من قسي(4) في ذراه ترفعت *** على عمد بالنور باتت حواليا فتحسبها الأفلاك دارت قسيها *** تظل عمود الصبح إذ لاح باديا سواري قد جاءت بكل غريبة *** فطارت بها الأمثال تجري سواريا به المرمر المجلو قد شق نوره *** فيجلو من الظلماء ما كان داجيا إذا ما أضاءت بالشعاع تخالها *** على عظم الأجرام منها لآليا أما ساحة الرياحين أو (السفراء) فإنها من عجائب الحمراء بل أعجبهم جميعاً حيث تتوسطها بركة مستطيلة الشكل وأحواض تحف بجوانبها أشجار الريحان، وقد بنى هذه الساحة محمد الخامس وقد نقشت في زوايا ساحة الرياحين هذه العبارة: "النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا أبي عبد الله أمير المؤمنين"، ونقشت أيضاً الآية الكريمة: "وما النصر إلاّ من عند الله العزيز الحكيم"، ونقشت على الأفريز الرخامي الأوسط للساحة قصيدة شعرية من إثني عشر بيتاً هذا مطلعها: تبارك من ولاك أمر عباده *** فأولى بك الإسلام فضلاً وأنعما ونقشت فوق الأبيات الشعرية وتحتها عبارة: "ولا غالب إلا الله" بشكل مستمر، ويؤدي باب ساحة الرياحين الشمالي إلى بهو صغير يسمى بهو البركة به قبلة زينت بنقوش قشيبة، ويفضي بهو البركة من الناحية الشمالية إلى أعظم أبهاء الحمراء وهو بهو السفراء أو قمارش.. إن أروع ما في بهو السفراء زخارف قمته التي ما زالت تحتفظ بنقوشها الأصلية، أما نقوش الجدران فمع جمالها ليست إلا تجديداً مقلداً لنقوشها القديمة، ويفضي بهو البركة من ناحيته اليمنى إلى فناء سفلي يعرف بفناء السرو(5) الذي زرعت فيه بعض أشجار السرو وإلى جانبه يقع جناح الحمامات السلطانية العربية. يعتبر حمام الحمراء قرب بهو البركة من أروع الحمامات العربية ذلك لما يشكله من قيمة فنية عالية تتواكب مع فتنة قصر الحمراء وتضفي عليه سحراً وجاذبية مثلما تفعل الأزهار في الحقول، أما قاعة الاستراحة في الحمام ويسميها الإسبان قاعة السريرين فتتألف من سريرين أقيما بالطوب في جانبي القاعة وكسيا بالقراميد ذات الألوان المختلفة، وفي أعلى هذين السريرين عقدان صغيران متجاوران يقومان على عمد ثلاثة غاية في الدقة والرشاقة، اثنان منهما على الجانبين لصق الجدارين والثالث في الوسط وأمام السريرين نافورة مياه، وتعتبر هذه الردهة وهي في العادة استراحة مجلساً للسلطان قبل أن يمضي إلى الغرفة الدافئة ويحتمل أن تكون مخلعاً للثياب، "وقد بقيت بعض القاعات بنقوشها وأصباغها إلى الآن، وتطل على القاعة الساخنة شرفات كانت تستخدم كمجلس لفريق موسيقي يعزف الألحان بينما الأمير والأميرات يسترخون في هدوء دون أن ينغص عليهم أحد هذا الهدوء"(6). "والقسم الثاني من حمامات الحمراء هو (الغرفة الدافئة) والتي تلي (الاستراحة) مباشرة يوجد فيها حوض كبير تتصل به أنابيب وجميعها تتصل من الجهة الأخرى بحجرات الوقود وذلك بطريقة فنية ذات تقنية عالية ومحكمة فضلاً عن وجود أنابيب على شكل قناة مستقلة تنثر العطر في جو الحمام"(7). أما القسم الثالث من حمام الحمراء فهو (الحجرة الساخنة) وفيها هي الأخرى حوض كبير تعلوه كوة في الجدار وفيها فتحتان كانتا فيما مضى منبعاً للماء الساخن والبارد، ويوجد في التجويف التحتي للقاعة والمحيط بها قنوات للوقود وتعلوها قبة ذات زجاج ملون مع بعض الفتحات لخروج البخار، وفي الكوة العليا في الغرفة الساخنة نقشت قصيدة من ستة أبيات وهي من نظم الوزير الشاعر ابن زمرك. وفي استعراضنا لأجنحة وأقسام قصر الحمراء نصل الآن إلى قاعة الاختين وتقع في شرقي فناء البركة حيث نصل إليها من باب الفناء الشرقي من رواق معتم، ويقال إنها سميت كذلك لاحتواء أرضها على قطعتين متساويتين وفريدتين من الرخام، ونقشت تحت عبارة "لا غالب إلا الله" المتكررة، بعض الأبيات الشعرية للوزير الشاعر ابن زمرك(8). ويحيط بقاعة الأختين عدة شرفات تطلق على الشرفة الرئيسية تسمية "منظرة داراشا أو ليندراشا"، ويقال: إن الأولى تحريف لدار عائشة الحرة والثانية لعين دار عائشة، وتؤدي قاعة الاختين من بابها الجنوبي إلى رائعة من روائع قصور الحمراء وهو بهو السباع أو ساحة السباع، وقد قام بإنشائه السلطان محمد الغني بالله الذي تولى السلطة في عام (755-793)هـ، (1354-1391)م حيث نرى اسمه منقوشاً في كثير من مواضع هذا الجناح الجميل، "وتشاء الأقدار أن يظل هذا القصر -أي جناح السباع- سليماً لم يلحقه أي تدمير كالذي أصاب العمائر العربية الإسلامية بالأندلس عقب حركة الاسترداد الإسبانية وذلك لأنه اتخذ مسكناً لفرديناند وإيزابيلا عقب نكسة غرناطة عام 1492"(9)، وإن زائر بهو السباع يصل إليه من باب صغير مفتوح من الجدار الفاصل بينه وبين بهو الرياحين الذي كان المقر السياسي للدولة في غرناطة وكانت تضفى عليه الناحية البروتوكولية حيث تقام فيه مراسيم الاستقبال الرسمية في قاعة السفراء ببرج قمارش المطل على البركة المستطلية المحاطة بشجر الريحان، وحين نعبر هذا الجناح يبرز أمامنا بهو السباع وهو القصر الخاص بسكنى سلاطين بني نصر. بهو السباع عبارة عن فناء يحيط به ممر ومن خلفه القاعات والغرف وإن الفناء مستطيل تبلغ أبعاده 126×73×22.5 قدماً تتوسطه نافورة بلغت شهرتها الآفاق وهي نافورة السباع التي تبدو كقصعة كبيرة من الرخام يبلغ قطرها 10.5قدماً وعمقها قدمان ويدور حول حافتها العليا من الخارج نقش عربي يتجسد في أبيات شعرية للوزير الشاعر ابن زمرك(10): تبارك من أعطى الإمام محمداً *** مغاني زانت بالجمال المغانيا وإلا فهذا الروض فيه بدايع *** أبى الله أن يلقى لها الحسن ثانيا ومنحوته من لؤلؤ شق نورها *** تجلى بمرفض الجمان النواعيا يذوب لجين سال بين جواهر *** غدا مثلها في الحسن أبيض صافيا تشابه جار للعيون بجامد *** فلم ندر: أيّ منهما كان جاريا ألم تر أن الماء يجري بصفحها *** ولكنها مدت عليه المجاريا كمثل محب فاض بالدمع جفنه *** وغص بذاك الدمع إذ خاف واشيا وهل هي في التحقيق غير غمامة *** تفيض إلى الآساد منها السواقيا وقد أشبهت كف الخليفة إذ غدت *** تفيض إلى أسد الجهاد الأياديا فيا من رأى الآساد وهي روابض *** عداها الحيا عن أن تكون عواديا ويا وارث الأنصار لا عن كلالة *** تراث جلال يستخف الرواسيا عليك سلام الله فاسم مخلداً *** تجدد أعياداً وتبلي أعاديا وفي منتصف الجانب الجنوبي من بهو الأسود يقابلنا مدخل قاعة بني السراج تلك الأسرة التي كان لها دور خطير في نهاية تاريخ غرناطة العربي والإسلامي، ولعبت دورها هذا على أيام السلطان أبي الحسن وابنه أبي عبد الله الصغير آخر ملوك الأندلس، وتعلو قاعة بني السراج -مستطيلة الشكل- قبة مضلعة وفي جوانبها كوات صغيرة، وقد نقشت في دائرة القبة الوسطى عبارة: "ولا غالب إلا الله" بالخط النسخي والكوفي، وتطالعنا أيضاً في قاعة بني السراج أبيات من قصيدة لابن زمرك: فتحسبها الأفلاك دارت قسيها *** تظل عمود الصبح إذ لاح باديا تبيت له كف الثريا معيذة *** ويصبح معتل النواسم راقيا وتهوى النجوم الزهر لو ثبتت به *** ولم تك في أفق السماء جواريا وتتوسط قاعة بني السراج بركة وسطها نافورة مياه وهذا الحوض مستدير الشكل ومصنوع من المرمر، ويقال إن هذه البركة طافت بدماء أفراد بني السراج إبان الأحداث الدامية والفتنة الأهلية التي حدثت في غرناطة، ويبدو الاحمرار واضحاً لا شك أنه احمرار الرخام في قاع الحوض، ولكن يقال بأن ذلك الاحمرار ينسب إلى دماء بني السراج حيث إن هذه البركة امتلأت بدمائهم. أما قاعة الملوك فيبرز مدخلها من الناحية الشرقية لبهو السباع وتعرف أيضاً بقاعة العدل ومدخلها عقد مثلث الجوانب وبها ثلاثة عقود أو حنايا، وقد رسمت في سقف الحنية الوسطى منها صورة عشرة فرسان مسلمين وهم ملوك غرناطة العشرة قبل أبي عبد الله الصغير، أولهم محمد الغني بالله وآخرهم أبو الحسن والد أبي عبد الله الصغير، وفي شمال قاعة الاختين وشمال بهو الأسود تقع اللندراخا، وتشاهد في عقد المدخل فجوتان نقشت بينهما عبارة "ولا غالب إلا الله"، ونقشت في كل منهما أربعة أبيات شعرية، أما صحن نافورة اللندراخا فقد نقش عليها قصيدة شعرية من تسعة عشر بيتاً وهذا مطلعها: هي حقّا فلك الماء بدا *** للأنام ظاهراً لم يحجب وهناك رواق بين قاعة الاختين وبين اللندراخا فيه باب يؤدي إلى ساحة مستطيلة أنشأت أيام الامبراطور شارلكان، وفي هذه الساحة بابان يؤدي كلاهما إلى الطبقة العليا التي تقع فوق جناح الحمامات، ويتصل بهذه الساحة رواق ضيق يؤدي إلى برج متزين الملكة، وقد انشأ هذا البرج في القرن السادس عشر بعد سقوط غرناطة، وهو بهو صغير منخفض السقف رسمت على جدرانه صور وزخارف من الفن المسيحي، وتطل شرفة المتزين على مدينة غرناطة ومروجها، وتقع في خارج الحمراء خرائب "الروضة" أو مدفن ملوك بني نصر وهي واقعة في جنوبي شرق ساحة الأسود وعلى مقربة من كنيسة سانتا ماريا، وكان مسجد الحمراء يقع في نفس الموضع وقد أمر بتشييده محمد الثالث (1302-1309)م، وقد بني أبدع طراز وريازة عربية إسلامية ولما احتل القوط غرناطه تركوا المسجد على حاله فترة ثم هدم في عام 1576م في عهد فيليب الثاني ابن شارلكان وأقيمت مكانه كنيسة سانتا ماريا ذات البرج الشاهق الذي يعلو مباني الحمراء، ولم يبق من مخلفات هذا المسجد سوى مصباح برونزي بديع الشكل يحفظ الآن في متحف مدريد. وبعد زيارة قاعات الحمراء نخرج إلى منتزه الحمراء (جنة العريف) وفيه قصر شيد في أواخر القرن الثالث عشر وزين على أيام السلطان أبو الوليد إسماعيل ملك غرناطة الذي كانت فترة ولايته في (1314-1325)م، ويقع هذا القصر في شمالي شرق الحمراء والوصول إليه يتم من خلال طريق طويلة صاعدة تظللها الأشجار وتدخل إليه من مدخل بسيط، نقشت سورة الفتح من القرآن الكريم على لوحة خشبية كبيرة تحيط بالجزء الأعلى من رواق المدخل، ويؤدي هذا المدخل إلى ساحة كبيرة في صدرها مدخل ذو ثلاثة عقود عربية بديعة الزخارف وقد نقشت في مربعاتها قصيدة شعرية وفيما يلي بعض أبياتها: قصر بديع الحسن والإحسان *** لاحت عليه جلالة السلطان خير الملوك أبو الوليد المنتقى *** من نخبة الأملاك من قحطان لحقته بعض عناية قد جددت *** منه جمال مصانع ومبان وقد نقشت آية الكرسي من القرآن الكريم، في الجزء الأعلى من هذا العقد، وفي القصر تتوزع عدة نقوش متفرقة بديعة، إن قصر جنة العريف يعتبر آية في فن الحدائق عند العرب لما يحتويه من تنوع في حدائقه حيث نرى أشجار الحور والريحان والأزهار والورود من كل صنف ولون، ووسط كل ذلك تقوم برك الماء والنوافير، وقد أقيم فيما بعد أي بعد نكسة غرناطة، بناء فوق قصر جنة العريف أمرت ببنائه إيزابيلا، ويغلب اليوم الخراب على الطابق الأعلى الدخيل وقد نزعت نوافذه، لكن الطابق السفلي -القصر العربي الأصيل- ما زال شامخاً وصامداً على الرغم من عوادي الزمن ومحاولات التشويه. بقي أن نتطرق إلى (البرطل) وهو لفظ يطلق على مجموعة من المباني بقصر الحمراء شرقي قصر السباع، وهي تتكون من برج السيدات يلاصق قاعة أمامها رواق، وأمام هذه المجموعة بركة ماء، ويلاصق البرج عدة منازل صغيرة من الناحية الغربية، وتوجد في المنزل الأول منها رسوم جدارية تمثل مشاهد صيد وفرقاً عسكرية ونقوشاً وزخارف هندسية بديعة.(11). "ولو وصفنا الحمراء بكل صفات البذاخة والثراء والجمال والرونق، ولو سميناها حسب أهوائنا بدار المفاجآت، ثم ألفنا فيها الكتب المتعمقة والمدائح الطويلة والأشعار البليغة، لما خطر ببال من زارها وتنقل في أجنحتها وشاهد روائعها، أن يتهمنا بالمبالغة والإسراف، لأن الحمراء لا توصف ولا تمدح، بل تشاهد فقط، وأي ذاكرة تقدر على تسجيل واستحضار آلاف الصور والمشاهد الماثلة في كل مدخل ونافذة وزاوية"..(12). هذا هو قصر الحمراء في غرناطة، أحد صروح العرب الخالدة في الأندلس، ذلك الفردوس العربي السليب. الهوامش: 1-تسمية "غرناطة" مشتقة من مصدر روماني وهو Granate، ويقصد به "الرمانة"، وسميت بذلك لكونها ذات طبيعة جمالية عالية تحيط بها الحدائق والمروج وبساتين الرمان الكثيرة المنتشرة حولها، وقيل إنها سميت كذلك لأنها تشبه الرمانة المشقوقة بموقعها وانقسامها على التلين فتبدو منازلها الكثيفة وسط هذا المشهد كالرمانة المشقوقة. 2-د. محمد توفيق- غرناطة وقصر الحمراء، ص67-100 3-عبد الحكيم الذنون -آفاق غرناطة، دار المعرفة بدمشق، ص75-86 4-القسي: أقواس صغيرة قامت عليها قبة سقف المشور وقد زالت تلك القبة الآن. 5-قام الإسبان باستحداث هذا الفناء. 6-أحمد السماوي-رحلة إلى بلاد الأندلس، دار الفكر بدمشق، ص141 7-د. محمد كمال شبانة- شواهد من الفن المعماري الأندلسي في عصر السلطان أبي الحجاج يوسف (733-755هـ)- مجلة منبر الإسلام- إصدار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، القاهرة، تموز 1971- ص159-614 8-المقري- نفخ الطيب من غصن الأندلس الرطيب، الجزء الرابع، ص705-709 9-جمال محرز -بهو السباع في قصر الحمراء بغرناطة، المجلة التاريخية المصرية، القاهرة. 10-بالنثيا -تاريخ الفكر الأندلسي، إصدار الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، القاهرة. 11-عبد الحكيم الذنون، آفاق غرناطة، دار المعرفة بدمشق، ص88-107 12-د. عبد العزيز الدولاتي -مسجد قرطبة وقصر الحمراء، القاهرة. *** مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتابالعرب-دمشق العدد 75 - السنة 19 - نيسان "إبريل" 1999 - ذو الحجة 1419 المصدر: منتديات مضايف بلدة الغبره rwv hgplvhx Hdhl hguvf hgl[d]m |
|
25th December 2010 | #3 |
|
رد: قصر الحمراء أيام العرب المجيدة
لا شك ان العرب تركو بصمتهم في كل مكان
اشكر جهودك الكبيره اخوي الزير |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
صاحب العصابة الحمراء((عصابة الموت)) | ابن عبد الخليل | مجلس المواضيع الاسلاميه | 24 | 10th January 2011 10:21 PM |
قصر الحمراء بقرطبة بالصور | الزير سالم | مجلس الصور | 5 | 26th December 2010 09:36 AM |
معاني أيام الإسبوع | ابن عبد الخليل | المجلس العام | 6 | 25th August 2010 11:05 AM |