الموضوع
:
يوسف بن تاشفين -- باني مدينة مراكش
عرض مشاركة واحدة
30th April 2010
#
1
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
80
تاريخ التسجيل :
Apr 2010
أخر زيارة :
4th November 2010 (03:44 PM)
المشاركات :
120 [
+
]
التقييم :
10
الدولهـ
الجنس ~
لوني المفضل :
Blue
يوسف بن تاشفين -- باني مدينة مراكش
يوسف بن تاشفين -- باني مدينة مراكش
بَانِي مُرَّاكِش
يُوسُفٌ بنُ تَاشِفِين
*****
هذا الحديث عن عبقري من عباقرة التاريخ الإسلامي ، وعن موقعة من أعظم المواقع الحربيّة في تاريخ الشرق والغرب، ولا بدَّ لي قبل الكلام على هذا الرجل العبقري ، وعلى هذه الوقعة الفاصلة من شيء من التمهيد التاريخي .
أعود بكم إلى القرن الخامس ، وأذهب بكم إلى صحارى المغرب الأقصى .
وقد كانت هذه الصحارى يومئذ لقبائل ((زناته)) فزاحمتها من الجنوب قبائل جديدة ، أقوام بعدد الحصى والرمال
يُعرفون
بالملثّمين ، لأنهم يتلثّمون أبداً في الحرب وفي السلم ، ويذكرون في تعليله أنّ العدو أغار عليهم مرّة ، وكان الرّجال بعيدين عن الحيّ ، فلبس نساؤهم لباس الرجال ، وتلثّمن وركبن الخيل ، فحسبهم العدو رجالاً ؛ وخاف وهرب . فلزموا اللّثام من ذلك اليوم تبرّكاً به ، وكانوا جنّ الحروب ، ومَرَدة المعارك ، وكانوا عجائب في الشجاعة والإقدام .
وكانوا في الأصل على جهالة مطبقة ، فأحبّ زعيمهم أن يعلّمهم الإسلام وأن ينوّر به قلوبهم ، فاختار فقيهاً من القيروان اسمه
الشيخ عبد الله الجزولي
، وكان هذا الشيخ وحده سبب هداية هذه الخلائق ، ونقلها من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان ، ومن الصحارى الإفريقيّة الجنوبيّة ، إلى ملك المغرب كلّه والأندلس ، وهو الذي جعل كل واحد من الملثّمين داعية إلى الله عزّ وجلّ ، ومجاهداً في سبيله كلّ طاغية يقف في وجه هذه الدعوى ، ويمنعها أن تسير ، ولم يكن سبب هذا النجاح أنّه كان أعلم الناس علماً ، وأنّه كان أفصحهم فصاحة ، فلقد كان في الناس من هو أعلم منه وأبلغ ، ولكن سببه الأوحد أنّه كان مؤمناً حقّاً ، وكان متحمّساً راغباً في الإصلاح ، وأنّه لم يكن يطلب الجاه ولا المال ولا الضياع ولا اللذّات ... بل يطلب الله والدار الآخرة .
وكانوا يعرفون بالملثّمين فسمّاهم المرابطين ، وكان هذا الفقيه هو الحاكم ، وهو الذي يصرِّف الأمر ، ولكنّه مع ذلك لم يدَّع الإمارة ، بل تركها ل
يحيى اللّمتوني
، ولمّا مات ولّى مكانه أخاه
أبا بكر اللّمتوني
، وتوفي هذا الفقيه بعد ما أسّس الأسس ، وأقام الدعائم لدولة المرابطين ، التي ظلّلت رايتها فيما بعد المغرب كلّه ، من تونس إلى البحر الأطلنطي والأندلس ، وما خصَّ نفسه يوماً بطيب مأكل أو لين ملبس ، ولم يكن له أرب في النساء ... ومن هنا ترون أنَّ عالماً واحداً يدعو إلى الله بإخلاص ، يُحيي به الله أمّة كاملة .
وانفرد أبو بكر اللّمتوني بعد موت الفقيه الجزولي بالأمر ، فجاء بشاب من بني عمّه ؛ اسمه
يوسف بن تاشفين
، فولاه قيادة شطر من الجيش أبقاه في صحراء المغرب ، ليتمَّ العمل الذي بدأ به الشيخ الجزولي ، وعاد هو إلى الجنوب ، إلى بلاد قومه من (( لمتونة )) ، لأنّ امرأة من قومه ظلمت فنادت :
لقد ضيّعنا أبو بكر ...
فقال لها : لبيك ، وأسرع إلى بلاده يقيم الحق والعدل فيها ويصلح من أمرها ، ويجاهد الكفّار من حولها ... وبقي ابن
تاشفين
في الشمال .
ولا نعرف من أين جاء ابن
تاشفين
، ولا ندري كيف نشأ ، ولا يحدّثنا التاريخ عن ذلك شيئاً ، ولا نعرفه إلا يوم ولِّيَ هذه القيادة ... ولِّيَ القيادة ، ولم يكن للمرابطين إلا الصحراء يعيشون فيها بدواً رحّلاً ، ويسيطرون على قبائلها ، فسار بهم ابن
تاشفين
إلى المدن ؛ إلى(( فاس )) حاضرة المغرب وكبرى مدنه ، فافتتحها وأقام عليها أميراً يحكم بكتاب الله وسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام . ثمّ توجّه إلى(( طنجة )) في طريق ما سلكها قبله جيش ، فافتتحها وأقام عليها أميراً . وما زال يفتح المدن ،
مدينة
بعد
مدينة
، حتّى فتح مدن المغرب الأقصى كلّها ، ثمّ ملك الجزائر ، ثمّ توجّه إلى تونس فغلب عليها .
وكان في كل بلدة أمير ، يظلم الناس ، وحكومة تعيث في الأرض فساداً ، فجعلها كلّها حكومة واحدة . من تونس إلى البحر ، البحر الذي بلغه من قبل الفاتح الإسلامي عقبة بن نافع فخاضه بفرسه وقال :
اللّهمَّ لولا هذا البحر لمضيت مجاهداً في سبيلك ، حتّى أفتح الأرض كلّها أو أموت
.
وعاد
يوسف
بن
تاشفين
فاختار موضعاً نزهاً ، حوله جبال تطيف به من بعيد ، اسمه (( مَرَّاكش )) ومعناها بلغة البربر ( مرَّ مُسرِعاً ) لأنّه كان مأوى للّصوص وقطّاع الطّرق فبنى فيه
مدينة
مرّاكش ؛ سنة 465 هجرية، وعاد أبو بكر فاستقبله ابن
تاشفين
وأظهر له الخضوع ، ولكنّه لمّا رأى ما بلغه من القوَّة والأيد ، ترك الأمر له وعاد من حيث جاء ، يجاهد في الصّحارى الجنوبيّة حتّى مات شهيداّ ، وانفرد ابن
تاشفين
بالأمر .
وكان
يوسف
بن
تاشفين
هذا نحيف الجسم ، أسمر اللّون ، خفيف اللّحية ، دقيق الصّوت . يحسبه من يراه ويسمعه رجلاً ضعيفاً مسكيناً ، فإذا خَبَرَه وجده الأسد قوَّةً ومضاءً ، والصقر حدّة بصر ؛ وسرعة انقضاض ، وكان محارباً ليس له نظير ، وقائداً من الطبقة الأولى من القوّاد ، وكان خيّراً عادلاً ، يميل إلى أهل العلم والدين ، ويكرمهم ويجعلهم أصحابه وبطانته ، ويحكّمهم في نفسه وفي بلاده ، ويتبع حكمهم ما داموا يتكلّمون بلسان الشّرع ؛ ويحكمون بحكم الله عزّ وجلّ .
وكان يحب الصّفح ، ويميل إلى العفو ؛ مهما عظم الذّنب وجلَّت الخطيئة ، وكان زاهداً متقشّفاً لم يستأثر بمطعم ولا مشرب ، ولم يرتفع في عيشه عن عيش أفقر رعاياه ، فعاش حياته كلّها لم يعرف القصور الفخمة ، ولا الموائد الحافلة ، ولا حياة السرف والترف . لم يأكل إلا خبز الشعير ولحم الإبل ، ولم يشرب إلا لبن النياق ، وكان قويّ الجسم مشدوداً شدّ الوتر ، وبقي على ذلك حتّى قارب المئة .
وكانت الألقاب فاشية في الأندلس ، فكل من حكم فيها بلدة أو سيطر على ناحية من الأرض ، اتّخذ أبهة الملك ، وألقاب السّيادة ، وهو قد أسس دولة من أكبر دول الإسلام وبنى
مدينة
من أجلّ المدن ، ورضي أن يكون تابعاً للإمامة العظمى ، لأنه كان يرى رأي الإسلام ، وهو أنّه لا يجوز إلا أن يكون المسلمون دولة واحدة ، وكتب إلى الخليفة العبّاسي يستمدّ منه الإمارة ، فأرسل إليه بمرسوم الولاية على المغرب ، وسمّى نفسه (( أمير المسلمين )) ، وأعلن أنّه تابع للخليفة في بغداد .
في هذا الوقت الذي انتقل فيه المغرب الإسلامي ، من الفرقة والانقسام والضعف ، إلى الوحدة والقوّة ؛ وزالت على يد الفقيه الجزولي والقائد
يوسف
بن
تاشفين
، هاتيك الدويلات الصغار ، وقامت الدولة الكبيرة ، كانت الحال في الأندلس على العكس ، فقد زالت دولة الناصر ، ودولة المنصور من بعده ، وقامت هذه الحكومات الصغيرة المتنافرة المتناحرة ؛ التي لا يفتأ كبيرها يغير على صغيرها ، وكل جارة منها تعتدي على جاراتها .
وبلغ الأمر إلى ما هو شرّ من ذلكم ، إلى أن صارت كل دولة منها تستعين على أختها بالإسبان ؛ بالعدو المشترك ، الذي يتربّص بالجميع ويكيد للجميع ، ولم يسلم من هذا الخزي أحد منهم !
وأخذ الإسبان يستفيدون من هذا الخلاف ، ويأخذون من أطراف البلاد الإسلامية ، وكلّما فتحوا طريقاً للعداوة بين دولتين من هذه الدول الهزيلة ، دخلوا منه يوغلون في بلاد الإسلام ، ويتقدّمون أبداً إلى الأمام .
وجعلت المدن تساقط في أيديهم واحدة بعد واحدة ، فلا ينتبه المسلمون ، حتّى سقطت طليطلة ، وهي قلعة الإسلام ، فكانت سقطة لها دويّ رجّ الأندلس ، فأفاق هؤلاء الأمراء وأيقنوا أنّ الهوّة قد تفتّحت تحت أقدامهم ، وأنّهم جميعاً ساقطون فيها إذا لم يتّحدوا ويتجمّعوا ، وكانوا جميعاً يدفعون الجزية للأذفونش ( الفونسو ملك قشتالة ) حتّى كبيرهم المعتمد بن عباد الملك الشاعر ، فلمًا أخذ طليطلة لم يعد يرضى بالجزية ، وعزم على أخذ البلاد .
فتوجّهوا جميعاً تلقاء المغرب ، ورأوا أنّه لا نجاة لهم إلا إذا استنجدوا بأمير المسلمين ، ابن
تاشفين
.
وكان القائم بهذا ابن عباد ، فخوّفوه من طمع ابن
تاشفين
بالأندلس واستيلائه عليها ، فقال كلمته المشهورة:
أنا أعرف هذا ، ولكنّي أفضّل أن أرعى جمال أمير المسلمين ، عن أن أرعى خنازير ملك الإسبان !
وكان مرجع أمراء الأندلس لابن عباد ، فلمّا رأوا هذا أخذوا برأيه ، وكتبوا كتاباً واحداً بلسانهم يستقدمون به ابن
تاشفين
، ولبّى الطلب ، وحشد جيشاً ضخماً وجاز به البحر إلى الأندلس ، وكان الأذفونش في حرب ابن هود أمير سرقسطة ، فلمّا بلغه عبور ابن
تاشفين
، ترك حربه وجمع أمراء النصارى في جيش واحد ، وتوجّه ليلقى ابن
تاشفين
الذي انضمَّ إليه أمراء المسلمين جميعاً ، ومشى الجيشان إلى المعركة الفاصلة ؛ التي اجتمعت فيها جيوش النصرانيّة كلّه في جانب، وجيوش الإسلام في جانب ... ولم يكن الفريقان قد اجتمعا من قبل أبداً في جيش موحّد .
وكان اللّقاء في سهل أفيح بالقرب من
مدينة
بَطَلْيُوس سمّي (( سهل الزلاقة )) ، وكانت الوقعة يوم الجمعة في الخامس عشر من رجب سنة تسع وسبعين وأربعمئة (479هجرية) .
اصطفّ الفريقان ، حتّى لقد نقل ابن خلّكان أنّه لم يكن في ذلك السهل الواسع موضع قدم لم يكن فيه جندي مستعد ، ولا تزال الأمداد تتوالى من الجانبين ، حتّى لم يبق محارب من هؤلاء وأولئك إلا حضر المعركة .
وأخطأ ابن عباد خطيئة كانت تودي بجيوش المسلمين كلّها ، خطيئة دفعته إليها شجاعته ؛ ونسي أنّ الرأي قبل شجاعة الشجعان ، ذلك أنّه باشر القتال قبل أن يصل
يوسف
بن
تاشفين
إلى الميدان واضطرب أمر الجند الإسلامي ، وأخذ الناس على غير تعبئة وغير استعداد ، فصار أمرهم فوضى ، ودهمهم فرسان النّصارى ، فحطّموا كل مقاومة إسلامية ، وسحقوا كل ما كان أمامهم ؛ وسقط ابن عباد صريعاً ؛ قد أصابه جرح غائر ، وفرَّ رؤساء الأندلس يائسين ، وظنَّ الأذفونش أنّ ابن
تاشفين
مع المنهزمين ؛ فلمّا رأى ذلك ابن
تاشفين
، هجم بنفسه ؛ يتلقّى بصدره صدمة فرسان الإسبان ؛ يحف به أبطال المغرب ، وضرب الطبول الضخمة فارتجّت الأرض ، وطويت تحت أقدامهم ، ووقف الهجوم الإسباني ، ثمّ شقّ جيش الإسبان واخترقه حتّى احتلّ قيادة الأذفونش .
فلمّا صار فيها عاود الإسبان الهجوم أشد وأقوى من الهجوم الأوّل ، فانخرقت جبهة المسلمين ، ولكنّهم عاودوا الهجوم واحتلّوا القيادة مرّة ثانية ، فهجم الإسبان ثالث مرّة . هجوم المستميت اليائس ، فترجّل أمير المسلمين ابن
تاشفين
وهو يومئذ شيخ في نحو الثمانين ، وترجّل معه نحو أربعة آلاف من حَشَمه السودان ، ووقفوا كأنّهم جدران الصخر ؛ وبأيديهم الأتراس والسيوف ، وقفز واحد منهم على فرس الأذفونش ؛ فقبض على عنقه بيد وطعنه بالثانية بخنجره في فخذه ، فاخترق الخنجر الدرع والعظم ودخل في سرج الفرس ، وفرَّ وفخذه معلَّقة بالسرج ، ووقعت الهزيمة الكبرى في جيش الإسبان وكان النصر .
وكانت معركة من أعظم المعارك الفاصلة في تاريخ البشر ؛ فقد اجتمعت فيها لأوّل مرّة قوى الإسلام كلّها في الأندلس والمغرب ؛ في وجه قوى النصرانيّة كلّها في إسبانيا ، وكانت معركة شديدة أظهر فيها الفريقان من البراعة والشجاعة ، ما يجري من غرابته مجرى الأمثال ، وظهرت فيها مزايا التّربية الصحراويّة ، فانهزم أبطال الأندلس ؛ حتّى المعتمد ابن عباد فارس العصر ، ولم يثبت إلا بنو الصحراء ؛ الذين لم يفسدهم ترف الحضارة ، ولا نعيم القصور .
وبدَّلت مسير التاريخ ، فقضت على هاتيكم الدويلات الهزيلة المتنافرة المتناحرة التي كانت تدفع الجزية للإسبان عن يد وهي صاغرة ، وتستعين بهم على حرب أخواتها في اللّسان والدّين ، وعادت للأندلس وحدتها تحت الرّاية الإسلامية الكبرى ، وكانت على وشك السّقوط فأخّرت هذه المعركة سقوطها أربعمئة سنة ، كل ذلك بعمل هذا الرجل النحيف الضامر الخافت الصّوت ، الذي كان يومئذ شيخاً في نحو الثمانين من عمره .
هذا الشّيخ البدويّ البربريّ الذي لم ينشأ في المدن الكبار ، ولم يرها في صدر حياته ، ولم يتعلّم في المدارس ولم يدخلها ، ولم يكن ينطق بالعربيّة ولا يكاد يفهمها ، ولم يعرف في عمره لذّة النعيم ومتع العيش ؛ ولكنّه مع ذلك أقام دولة من العدم ، دولة تقيم حكم الله ؛ وتتّبع شريعة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم .
دولة امتدّت من تونس إلى الأطلنطي إلى آخر الأندلس ، ولم يدّع الإستقلال فيها ، ولا اتّخذ ألقاب السلطان ، ولكنه قنع بأن يكون أميراً تابعاً اسماً للخليفة العبّاسيّ في بغداد .
يا سادتي ويا سيّداتي :
إنَّ تاريخكم فيّاض بالبطولات والمفاخر والمكارم ، ولكنّكم لا تكادون تعرفون تاريخكم .
رحم الله الرجل الصالح
يوسف
بن تاشفين
وجزاه عن أمّة الإسلام خير ما يُجزى به الصالحين.
المصدر
كتاب رجال من التاريخ
للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله
تقبلوا تحياتي -- صاحب المعالي --
المصدر:
منتديات مضايف بلدة الغبره
d,st fk jhatdk -- fhkd l]dkm lvh;a
فترة الأقامة :
5483 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
34
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
0.02 يوميا
صاحب المعالي
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى صاحب المعالي
البحث عن كل مشاركات صاحب المعالي