الموضوع: يووم لن يعوود
عرض مشاركة واحدة
قديم 24th September 2010   #1
استضافة الملف بواسطة مركز الملفات - مجموعة ترايدنت العربية


الصورة الرمزية محمد الحسونى
محمد الحسونى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 106
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 3rd June 2012 (01:30 PM)
 المشاركات : 835 [ + ]
 التقييم :  10
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Male
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
rfv يووم لن يعوود



يومٌ لن يعود


كانت ظهيرة ساخنة ، برغم أنها من أيام كانون الثلجية .. أستقر جذع خاو على كتف السدة الترابية المحاذية لبيتنا الطيني ، تطايرت منه عشرات الفئران القاضمة للحم البشري ( أسموها قنابل عنقودية ، وأسموا ذلك الجذع حاوية ) ، هرعنا الى السواقي في مؤخرة البستان ، ومعنا كل أطفال القرية ونسوتها ، همست جارتنا بأذن جدتها الهاربة من المدينة : أنها عروس في يومها العاشر .. تركها فتاها وتطوع للقتال ضد الطاغية ، تقول النسوة أنه لن يعود!!
تفتح العجوز فمها وحدقتيها وهي ترتجف وتتمتم :
ـ عروس في يومها العاثر !! سيعدم ، سيشنق أذا ما عاد حياً .. يا بومتي هذا يوم عرس خرائبك .
وضعت الفتاة رأسها على صدر عمتها ، وأجهشت بالبكاء ، لكن عمتها عصرت أذنها موبخة لها :
ـ كوني مثله .. لو أنها حرة لما عافت أهلها والتجأت الى هنا .
كل الأرض منذورة للذبح !!
أردفت : جريني على الدرب الى البيت .. البقرات لم نطلق سراحها ، يالوقاحة روحنا العزيزة ..هناك دائماً شيء أعز .. تذكرت كل شيء .. كل شيء ، صورته ونياشينه فوق القلب تنبض بالزهو وظل نخل ( الجرية ) يتكسر فوق أديم أمواج نهر الحسينية ، والذين سيغرسهم في تراب رحمي ، قالت لعمتها وهي تتوكأ على خشبة :
ـ أبقي مكانك سوف أذهب وحدي ..
قبلتها عمتها برزانة قائلة ( تعيشين ) بعد أن عبرت الفتاة بعض خطوات تلك السواقي ارتجت الأرض تحت أقدامها وكادت الجدوع تتكسر ، دثر الدخان كل الفسائل ، الأبقار اقتلعن أوتادهن ، لاذت أحداهن بنخلة بترت للتو ، أحدى الأبقار أقتلع ثديها ، فصار حليبها كعصير ناشز ، تلمست الدرب حبواً الى البيت .. الجسر العملاق تناثرت أحشاؤه في البستان ولا تزال صفائحه مختومة بأقدام التلاميذ وهواة الصيد السناري ، أحدى الركائز طارت من الصوب المقابل وألقت هيكلها فوق حجيراتنا الطينية ..
لم تتعثر قدماي من قبل إلا بالأفرشة والطحالب ، هذه الأرض التي ألفتها منذ طفولتي ماذا دهاها؟!! ليس هناك بيت !!
تمنت أن يهطل مطر البكاء ليغسل يومها العاثر من سخاماته ، لكن الغبار والدخان ورائحة الأفرشة وتلك الغربان ألقت ما فيها وولت .. عند بقايا الحطام تناثرت دفاتره وأكداس كتبه هل تملك الجرأة للمسها ؟!
لكن يداً عملاقة ألغت ذهولها كانت يد عمتها واثقة ودافئة .. زجرتها وسحبتها الى حضنها همست بحنو مفاجئ .
ـ أذا ما كنت على طهر فلنصل ركعتي شكر على السلامة وندعو له .. سيعود ويجدنا أحياء أو شهداء .
ـ بعد أشهر كان لهم بيت .. وجسر كانت له نياشين أخرى ، وقد حملت عمتها الأعلام البيضاء والحناء لذلك الجسر الذي صار أبهى ، لكن بهما حزن عميق الأن ، لأن الفتى لم يعود وغاب في سرادق السجون .. فليرحمه الله .

تحيااتي لكم : محمد الحسووني ...



d,,l gk du,,]



 
 توقيع : محمد الحسونى

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


رد مع اقتباس